الثلاثاء، سبتمبر 23، 2008

فن الإدارة ... ملخص كتاب (حياة في الإدارة)

هل تريد أن تكون إداري ناجح ؟اقرأ خبرات غازي القصيبي
سأتعرض في هذا المقال لعرض لكتاب يضمن سيرة ذاتية لواحد من أهم الشخصيات السعودية في الوقت المعاصر ، شخصية اثارت كثير من الجدل والإختلاف ..
إنه الوزير والشاعر والأكاديمي والسفير السعودي ( غازي بن عبد الرحمن القصيبي )

والذي شغل في العشرين عاما الماضية مناصب عديدة منها :
1- رئيس لهيئة السكك الحديدية
2- عميد للجامعة الأولي في المملكة
3- سفير في البحرين
4- سفير في لندن
5- وزير للصحة
6-وزير للكهرباء والماء ( في بلد لا يوجد بها ماء أساسا !!)
7- وزير للصناعة
8- وزير للعمل -حاليا -

بالإضافة لكونه شاعر مجيد ، ولقد غني له المطربين ومن بينهم كاظم الساهر بعد قصائده ..

ولقد بلغت قدرات غازي القصيبي العظيمة في الإدارة حتى صار ... ( اسطورة) حتى أن الكثيرين صاروا يعتقدون أن أي مؤسسة غير ملتزمة إدارياً .. أن عليهم إحضار غازي القصيبي لإدارتها !!!

سأفصل عدد من المواقف الإدارية التي رواها د . غازي القصيبي في كتابه الذي اورد فيه سيرته الذاتية ( حياة في الإدارة ) وعنوان الكتاب كما هو واضح " يشع " إدارة ، فالإدارة كانت عالم هذا الرجل - ولا تزال ...

وفي هذا المقال المطول ساورد .. عدد من المواقف الإدارية التي ذكرها القصيبي في كتابه ، مع توضيح الموقف الإداري الذي كان في القصة التي يرويها القصيبي من ذكرياته ، وسأعلق بعدها على هذا الموقف ، وسأجعل لكل موقف من المواقف عنوانا من عندي يركز على الفكرة الأساسية للموقف الإدارية .

رابط الكتاب :
http://www.neelwafurat.com/itempage.asp ... arch=books

الموقف الأول
لا شدة قاسية ولا شفقة متناهية


" ترعرعت أتأرجح بين قطبين رئيسيين ، أولهما ابي رحمه الله ، وكان يبتسم بالشدة والصرامة ، وكان الخروج إلى الشارع محرماً على سبيل المثال ، وثانيهما جدتي لأمي رحمها الله ، وكانت تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية على "الصغير اليتيم " استطيع أن أقول أن حصيلة السنوات الخمس الأولى في حياتي كانت وحدة مشوبة بالحزن ، وطفولة تنمو تحت عين أب حازم صارم وفي كنف جدة رؤون حنون ، هل تركت هذه الطفولة في عقلي الباطن ميراث وسم بسماته حياتي الإدارية … واني اعتقد انني نشأت وفي أعماقي احساس كامن بأن السلطة بلا حزم ، تؤدي إلى خطر تسيب خطر ، وإن الحزم بلا رحمة يؤدي إلى طغيان أشد خطورة .

التعليق : في هذا الموقف يوضح لنا الكتاب نوعين من الإداريين ، متضادين في الأفكار.. النمط الأول يقوم علي الشدة التام والصرامة الدائمة ، والنوع الثاني يقوم على الحنان المفرط والطيبة المتناهية .
ولا شك أن كلا من النمطين يمثل طرف نقيض ولا يمثلان التوسط المطلوب ، فالشدة مطلوبة في الإدارة ، ولكن ليس دائما ، وكذلك الرأفة والطيبة مطلوبة ولكن ليس دائمة ، فالشدة الدائمة في نظرنا تقود إلى أن يخاف المرءوس من رئيسه ، والطيبة المفرطة تقود إلى التسيب والي أن لا يحترم المرءوس رئيسه .


الموقف الثاني
التفتيش


"كان الطلبة يصطفون في طوابير كل صباح ، ويتولى التفتيش الأظافر مدرس مختلف كل يوم ، من هؤلاء المدرسين من كان تفتيشه شكليا سريعا ، ومنهم من كان بحثه دقيقا مستقطبا ، ومنهم من كان يكتفي بلفت النظر ، ومنهم من كان يستخدم مسطرة غليظة تهوى على الأظافر القذرة ، وكان من بين المدرسين مدرس لا يكتفي بالنظر إلى الاظافر بل كان يسأل كل واحد منا إذا كان قد استحم ذلك الصباح ، إذا أجاب الطالب بالايجاب نجا من العقاب وإذا ذكر الحقيقة ، والحقيقة هي أن انظفنا لم يكن يستحم سوى مرة واحدة في الأسبوع هوت المسطرة على الأصابع … كان المدرس يصدق من يزعم أنه استحم ولو كانت كل الشواهد تكذب هذا الزعم ، أعتقد أنه كان يستهدف تشجيعنا على النظافة والصدق إلا أن كل ما فعله هو اغراءنا بالكذب … *"
التعليق :
يناقش الكاتب في هذا النمط أنواع الإداريين كما عاصرهم في المدرسة ، فمنهم المدرس الذي يدقق في التفتيش علي التلاميذ ، ومنهم المدرس الذي كان يكتفي بلفت النظر ، ومنهم من كان يستخدم العنف والخوف ليخاف منه التلاميذ وينفذون أوامره فيضطرون للكذب عليه ليصدقهم.
وكل الأنماط السابقة من التفتيش معيبة ، لأن التفتيش يجب أن يعتمد علي رؤية منطقية للواقع ، وكذلك يجب أن يبتعد عن آثاره خوف المرءوسين من الرئيس .

الموقف الثالث
الخوف من الرئيس


" كان المدير أيامها يمثل جانب العقاب ، وهذا الجانب وحدة ، كان ارسال طالب إلى المدير يعني بصفة تلقائية ، أن ترتفع الخيزرانة وتهوي على يد الطالب مرتين على الاقل ، وعشر مرات على الاكثر ، لم اسمع بحالة واحدة ذهب فيها طالب إلى المدير ليسمع ثناء او يتلقي جائزة ، كانت العلاقة بين الطلاب والمدير قائمة على الخوف ، ولا شيء إلا الخوف … *"

التعليق :
يتناول المؤلف في هذا الموقف علاقة الخوف التي لا يجب أن تربط بين الرئيس ومرءوسيه ، ومثال ذلك العلاقة التي كانت تربط بين المدير والطلاب في المدرسة ، وكانت كلها خوف من المدير ، والسبب في ذلك أن المدير كان دائما ما يتعامل مع الطلاب بالضرب و العقاب ، ولم يكن يثني علي أحد منهم مهما عمل من خير ، ولذلك كان الطلاب يخافون من المدير .


الموقف الرابع
( البيروقراطية )

" لم يقتصر الأمر على البيروقراطية الجامعية ، فقد كانت هناك بيروقراطية اضخم ، بيروقراطية الحكومة ، كانت تجديد الإقامة يتطلب زيارة دولية إلى مبني المجمع الحكومي في ميدان التحرير ، كانت الطوابير لا تنتهي ، وأوراق الدمغة لا تنتهي ، والتوقيعات لا تنتهي ، كان المحظوظ منا هو الذي يستطيع إنهاء معاملته في يومين أو ثلاثة ، ولم يكن أحد يستطيع أنهاءها بهذه السرعة إلا بواسطات مع عدد من الموظفين …* "

التعليق :
إن البيروقراطية من أهم أمراض النظام الإداري ، فالبيروقراطية والتعنت و الالتزام الجاف بالقوانين والنظم واللوائح يفقد النظام الإداري سهولته ومرونته فعاليته ، ويجب علي النظام الإداري أن يتسم بروح التفاهم و التيسير حتى لا يمل المراجعون وييئسون .
وفي هذا الموقف الذي مر به الكاتب في بداية حياته الجامعية ، شاهد بنفسه كيف أن البيورقراطية الحكومية كانت تؤخر أداء الأعمال البسيطة كختم الإقامة .. الخ من الأمور البسيطة .


الموقف الخامس
من صور الفساد الإداري (الرشوة )حدث في القاهرة أثناء دراسته الجامعية


" … فؤجئت بموظف في قسم الشرطة يطرق باب الشقة ويخبرني أن على مراجعة القسم ، يوميا لمدة شهر كامل للتأكد من عدم إصابتي بمرض معد كنت اظن أنه يمزح ، إلا أنه اخرج مرسوما من العهد الخديوي ، يتضمن هذا الإجراء ولا يزال ساري المفعول ، قلت له أني لا استطيع والامتحان على الأبواب أن أقوم بهذه الزيارة اليومية ، وكان الحل في الجنيه الذي تسلمه الموظف وذهب ، تعلم الطالب اليافع تقديم الرشاوى … أسف الإكراميات* " .
التعليق :
الرشوة مرض ثاني من أمراض النظام الاجتماعي بشكل عام والنظام الإداري بشكل خاص ، فالرشوة التي يطلبها الموظف لأداء عمل ما ، أو للتغاضي عن خطأ ما أو لترك المواطن بدون مضايقات من أهم مساوئ النظم الإدارية .
ولخطر الرشوة فقد حرمها الدين الحنيف عندما قال الرسول الكريم : الراشي والمرتشي والرائش في النار ) كما حرمتها كل الأنظمة الإدارية والقانونية في العالم .

الموقف السادس
( فن الإقالة)



" كما نقوم بعمل كل شيء … وكان هناك عضو نشاز واحد في الهيئة الإدارية ، وهو نائب الرئيس ، لم يقم بأي عمل ، ولم يحضر أي اجتماع ، وكنا لا نراه إلا في الإحتفالات ، يحضر بعد الضيوف ، ويغادر قبلهم ، لم يكن بوسعي إن أقيل النائب الذي انتخب بطريقة ديمقراطية ، إلا أن عدالة السماء تدخلت في الوقت المناسب ، كانت أنظمة الجامعة لا تجيز للطالب أن يتولى مهمة تنفيذية في أي جمعية إذا انخفض مستواه الدراسي عن حد معين ، يبدو أن نشاط صاحبنا في الدراسة لم يختلف عن نشاطه في الجمعية ، كتبت الينا إدارة التسجيل تخطرني أن معدل النائب لم يعد يؤهله للبقاء في اللجنة الإدارية ، لم أمر بها ولم تسؤني ، كتبت إلى النائب اعرب عن اسفي الشديد من قبيل دموع التماسيح ، إلا ان رحيله لم يكن ليثير دموعا من نوع أخر *"
التعليق : إقالة المهمل ، ويجب على الإداري الناجح أن يعمل علي تطهير منظمته من كل الأعضاء المهملين الغير فعالين ، ولكن ليس بأسلوب يقوم علي الثورة والمشاجرات ، وفي هذا الموقف ، لم يحاول المؤلف إثارة مشاكل مع النائب الذي كان لا يعمل أي عمل وكان عالة علي الجمعية ، ولكن انتظر المؤلف حتى جاء قرار من الجامعة يوصي بفصل النائب لأنه مهمل في الدراسة أيضا ، وعندها أقاله المؤلف من المنصب ، ولكن ليس بشماتة ولا شجار بل بدموع تشبه دموع التماسيح ظاهرها العطف علي النائب وباطنها الفرح بأنه أقيل .


الموقف السابع
الهدوء الإداري


" حيلة بسيطة يستعملها اللوبي الصهيوني بفعالية قاتلة ، لا يمكن لمتحدث عربي أن يتكلم دون أن يحضر الاجتماع عدد من الصهاينة أو المتعاطفين معهم ، يلزم هؤلاء الهدوء حتي ينتهي فترة المحاضرة وتبدأ الأسئلة ، بعد بضعة أسئلة مستفزة ، ينجح هؤلاء في إثارة المحاضر الذي يفقد أعصابه ويفقد الجمهور الذي كسبه … كنت أعجب وأنا محاضر عربي ذكيا بعد محاضر عربي ذكيا .. يقع في هذا الفخ … *"

التعليق :
يجب علي الإداري أن يلتزم بالهدوء الشديد ، ولا ينفعل ، ولا يجب على الإداري أن يكون سهل الإثارة والانفعال ، فالانفعال يفقد الإداري هيبته وتركيزه واحترام الناس له لأن الناس لا تحب العصبي ، بل تحب الهادئ الرزين مهما واجه من إهانات .
وفي هذا الموقف يتعجب المؤلف من أسلوب الصهاينة في إهانة المحاضرين العرب في محاضراتهم في الجامعات الأوروبية والأمريكية ومن ثم يفقد المحاضر صوابه و يتعصب فيخسر ما كسبه من الناس .


الموقف الثامن
البساطة


" استقبلني الإستاذ حسين بترحاب شديد ، وأبدى أسفه لأن المكان صغير والمكاتب مكتظة ويصعب تدبير مكتب لي في الوقت الحاضر ، قلت له أني أقدر الظروف وسوف أداوم في المكتبة وأقضي وقتي في القراءة ، ….وعجبي لا ينتهي من أولئك الموظفين الذي يصرون على مكتب فخم في يومهم الوظيفي الأول ، وأولئك الذين يقيمون الدنيا ولا يقعهدونها إذا رأوا المكتب لا يتناسب وما يتصورونه لأنفسهم من مكانة ….* "

التعليق :
لا يجب علي الإداري الناجح أن يتمسك بأن يكون له مكتب خاص فخم مجهز بأحدث الأجهزة ، فكل هذه مظاهر ليس لها أي أهمية في العملية الإدارية ، بل علي العكس غالبا ما تبعد هذه الأشياء الإداري عن جو العمل الفعلي وتجعله بعيد عن المراجعين والمرءوسين .

فلأكتفي بهذا القدر ثم أوافيكم لاحقا بما قرأته في هذا الكتاب الرائع ..

الموقف التاسع
الالتزام بالمواعيد


" إنني اعتقد أن الذين لا يستطيعون التقيد بالمواعيد لا يستطيعون تنظيم حياتهم على نحجو يجعلهم منتجين بحد عال من الكفاءة ، ذات يوم ، وكنت وزير الصناعة والكهرباء ، رشح لي بعض الأصدقاء رجلا قالوا إنه يصلح لمنصب وكيل الوزارة الذي كان شاغرا وقتها ، حددت موعدا لمقابلته في منزلي ، وجاء بعد الموعد بأكثر من ساعة دون أن يعتذر عن التأخير ، إذا كان هذا تعامله مع الوزير فكيف سيتعامل مع المراجعين ؟؟ غني عن الذكر أن المرشح لم يصبح وكيل وزارة ، حتى هذه اللحظة ….. *"

التعليق : الالتزام بالمواعيد من أهم سمات الرجل الجاد بشكل عام ، ومن أهم متطلبات الإداري الناجح لأن التزام الرجل بمواعيده يعكس مدى انضباطه في العمل وحرصه علي ترتيب حياته بشكل ملائم .
وفي هذا الموقف ، تأخر الشخص الذي يريد المؤلف تعيينه في منصب وكيل لوزارة الكهرباء ، ولم يعتذر عن التأخير ، ولم يبرره ، و أعطى هذا انطباع للمؤلف عن أنه شخص ليس كفء لشغل المنصب ، لأنه غير ملتزم بمواعيده , وبالفعل لم يعينه في المنصب ، وتمر الأيام ولا يعين الرجل في المنصب أبدا .. لان كل الوزراء لاحظوا استخفافه بالمواعيد المتفق عليها .

الموقف العاشر
عدم الجهل بالمعلومات


" إذا كان لابد من تحديد مسئول حقيقي عن التورط _ في حرب اليمن _ فان المسئولية تقع على نقص المعلومات ، لم يكن عبد الناصر أو أحد من الذين كانوا حوله يعرف شيئا عن اليمن ، تاريخيا وشعبا وجغرافيا وتقاليد وعادات … قارن هذا الموقف بالملك عبد العزيز خلال الحرب السعودية اليمنية ، حيث قرر وقف قرار الحرب ثم امر بسحب القوات ، استغرب ابي هذا الموقف وأبدى استغرابه أمام الملك عدة مرات ، في النهاية استدعاه الملك وقال له وهما على انفراد : يا عبد الرحمن أنت لا تعرف شيئا عن اليمن ، هذه بلاد جبلية قبلية لا يستطيع أحد السيطرة عليها ، كل من حاول عبر التاريخ فشل ، ولا اريد التورط في اليمن *"
التعليق : تسبب جهل الرئيس المصري جمال عبد الناصر بطبيعة ومعالم و أهل اليمن في جر بلاده والعالم العربي إلى حرب اليمن التي خسرت فيه مصر الكثير ، وكانت من أهم أسباب هزيمة 1967 م والتي أعقبها استيلاء اليهود على القدس وسيناء … وهكذا نرى أثر جهل الإداري بالإلمام بالمعلومات الخاصة بنظام عمله ، وهذا يؤثر كثيرا فيما سيحدث فيما بعد .وعلى العكس كان إلمام الملك عبد العزيز ومعرفته بطبيعة أهل اليمن ، ومعرفته بطباعهم وعاداتهم وطبيعة بلادهم سببا في أن يسحب قواته من الحرب ضد اليمن ، أنه كان يعرف أنها بلاد صعبة ذات بيئة واعرة . وهكذا نتعلم من هذا الموقف أن الإداري الناجح يجب أن يكون لديه معلومات وافية عن مجال عمله .


الموقف الحادي عشر
البيروقراطية


"… عندما بدأت الأزمة أمر الملك فيصل وزير الإعلام ابراهيم العنقري بتشكيل لجنة من عدة جهات تناقش الرقيب الذي أجاز الديوان ، أبلغ الوزير وكيل الوزارة ، فهد السديري ، بالأمر واجتمعت اللجنة ، كان من ضمن الأعضاء مستشار قانوني قال انه لا بد من رؤية الأمر الملكي لمعرفة مهمة اللجنة بالتحديد ، دارت مراسلات عديدة انتهت أن الأمر الملكي صدر شفويا ، ولم يتضمن مهمة محددة ، استغرقت العملية بضعة أسابيع ، عندما اجتمعت اللجنة مرة أخرى تبين للمستشار القانوني أن الأمر الشفوي لم يحدد رئيسا للجنة وبالنظر إلى وجود عدة اشخاص من مراتب متساوية كان من الضروري طلب التوجيه واستغرقت العملية بضعة اسابيع أخرى ، وعندما أمكن الإجابة على كل الأسئلة القانونية كان الموضوع قد تجاوزه الزمن ، وأن كان ملأ ملفا ضخما من المراسلات … "* .
التعليق : البيروقراطية .. هي التي أدت إلى أن يستمر تداول أوراق مراجعة ديوان المؤلف لعدة أشهر بين جنبات الأروقة الحكومية ، واستنزف عبر ذلك عدد كبير من ساعات العمل ، والأموال ، والجهود .. ,ذلك بسبب تعنت البعض وإصرارهم علي الشكل البيروقراطي للأمور ، والعمل من خلال نطاق الأنظمة واللوائح والتعاميم والالتزام الحرفي بها .
ولقد أدي ذلك إلى أن تستغرق عملية بحث ديوان الشاعر المؤلف عدة شهور ، وكان من الممكن ان يتم التصرف في كل هذا بمكالمة هاتفية واحدة .

الموقف الثاني عشر
المدير الناجح لا يسكن في برج عاجي



" كنت في كل فرصة اغادر مكتبي متفقدا كل ركن من أركان الكلية ، كنت اقضي الكثير من الوقت مع الطلبة ، أكل معهم في البوفيه أو العب تنس الطاولة ، كنت أعطي بعض محاضراتي في حدائق الكلية ، كانت لنشرة الطالب حرية واسعة في النقد لا عتدق أنه وجد ما يماثلها في أي جامعة عربية أو غير عربية ، في حفل ساهر قدم الطلبة تمثيلية مليئة بالسخرية من الكلية ، وكانت التمثيلية من تأليف العميد ، كنت أدعو طلبة البكالوريوس إلى عشاء وداعي في منزلي ، كنت حريص على تذويب الفوارق بين الاستاذ والطلبة وبين الأساتذة والأساتذة ، كنت أعمال المدرس المساعد كما أعامل الأستاذ المساعد …
وأذكر أن أستاذا من دولة عربية شقيقة دخل مكتبي مرة وهو في أقصي حالات الهياج ، سألته عن المشكلة ، فانطلق : اسمع يا دكتور ، لم يعد بوسعي السكون ، قلت هات ما عندك ، قال : وضعت المعيد والأستاذ في غرفة واحدة ، ولم نعترض ، حاضرت في الهواء الطلق ، ولم نقل شيءا ، لعبت تنس الطاولة مع الطلبة وتحملنا ، أما الأن فقد وصلت الأمور إلى حد لا يمكن السكوت عليه وسألته ، ماذا فعلت الأن ؟ : قال : كيف توقع على خطابات رسمية دون أن تضع لقب دكتور قبل اسمك ؟؟ ضحكت وقلت : ولكن كل من في الكلية يعرف أني دكتور ، قال : هذا لا يهم المهم احترام التقاليد الجامعية …* " .

التعليق :
يجب على الإداري الناجح أن يكون قريب من المتعاملين معه فلا يعطيهم إحساس بأنه في مكان بعيد عنهم ، لأن العلاقات الإنسانية مهمة للغاية في العملية الإدارية ، والروح الإنسانية هامة بين العاملين في مجال واحد .
لم يسكن المؤلف في برج عاجي ، ولم يصنع لنفسه حواجز تفصل بينه وبين الطلاب أو بينه وبين الأساتذة في الكلية ، بل كان قريبا منهم دائما ، فأكتسب ودهم واحترامهم وزال الخوف الذي تكلمنا عنه سابقا بين الطالب وأستاذه ، وشاركهم في الأنشطة والاحتفالات والمسرحيات ، وان كان بعض الحرس الجامعي القديم قد رأى ذلك استهزاء بالتقاليد الجامعية العريقة !…. إلا أن التجربة أثبتت جدواها وأن الطلاب كانوا في حالة جيدة من الدراسة والعمل ، وزال عنهم الخوف من العميد .


الموقف الثالث عشر
المدير الناجح يزور أماكن العمل ولا يركن في المكتب ..

" بدأت عهدي في المؤسسة بقرار أدهش بعض موظفيها ، قررت أن اسافر من الرياض إلى الدمام بالقطار ، كان من الطبيعي في تصوري أن يسافر الرجل الذي اصبح مسئولا عن القطار في قطاره ، إلا أن ما بدا طبيعيا في عيني لم يبد طبيعيا في نظر بعض الزملاء الجدد الذين حاولوا اقناعي بالعدول عن الفكرة لأن الرحلة " متعبة وطويلة " يا لغرائب البيروقراطية ! الجهاز الذي يقدم خدمة عامة للجمهور يريد حماية رئيسه من هذه الخدمة …. أتاحت هذه الزيارة الفرصة للحصول علي معلومات ما كنت سأعرفها لو قرأت ألف تقرير !! …….*"
التعليق : المدير الناجح والإداري ذو الرأي السليم ، لا يحبس نفسه في المكتب بحيث تكون كل معلوماته عن العمل هي من محصلة التقارير والمكاتبات التي يقدمها له من يعملون تحت يده .
بل يقوم بنفسه بالنزول إلى أرض العمل ليشاهد بنفسه العمل ، وكما تقول الحكمة ( ليس من رأى كمن سمع ) .. وهذا ما فعله كاتبنا ..
ترك المكتب ونزل إلى محطة السكة الحديدية بنفسه ، واستمع إلى أراء الناس وأكل من الأكل الذي يقدم إليهم …
وتحدث مع العمال الصغار … فاتضحت له كثير من الأمور التي كانت خفية عليه ، وسأل الناس عن الشكاوى الخاصة بهم ، فعمل بعد ذلك علي إزالتها والتخلص منها .

الموقف الرابع عشر
اختبر الخدمة التي يقدمها الجهاز الذي تديره


" رأيت عن كثب كيف تعمل المؤسسة على ارض الواقع ، تحدثت مع المسافرين ، واستمعت إلى شكاويهم ، واقتراحاتهم ، رايت كل المحطات التي يقف عندها القطار ، وقابلت كل العاملين فيها ، تذوقت الطعام الذي يقدم للركاب ، رأيت الغبار المتطاير في كل مكان ، باختصار ، تعلمت من هذه الرحلة الواحدة ما لم يكن بوسعي أن اتعلمه من قراءة ألف تقرير ، هنا نصحية أخرى للإداري الناشئ ، اختبر الخدمة التي يقدمها الجهاز واختبرها بنفسك …* ‎"

التعليق :
أيضا من سمات الإداري الناجح الغير بيروقراطي ، أو كما يصفه الكاتب ( تكنوقراطي ) هو الإداري الذي يخرج من مكتبه ولا يحسبه نفسه فيه ويمضى إلى حيث يتم العمل فعلا ، فيرى بعينه ما تعجز التقارير الجافة أن ينقلها له .
وفي هذا المثال ، يختبر المؤلف بنفسه مؤسسة السكك الحديدية التي تولى إدارتها ، ولقد أتاحت له هذه الجولة أن تتكشف له حقيقة ما يتم في هذه المؤسسة من أشياء يجب أن يتابعها المدير الإداري الناجح .